الخميس 11 فبراير 2021
أجلس في حنجرتي، في أضيق نقطة يمكن أن تتكور فيها عبرة لا تدري كيف تخرج، ابحث عن سبب يجعلها تظهر دون أن تحتاج شرح أو إيضاح، في عالمي – داخل عقلي- كل الأشياء لها سبب، فلا تقبل الدموع التي تطرق الأبواب هكذا بلا مناسبة، ابحث عن حبة غبار وضعها في عينك ليُسمح لك بالبكاء والنحيب إن أردت!
لا استطيع ابتلاع نفسي، إني أكبر مما ظننت، وضئيلة أكثر مما أظن أيضا.
في قصة هي قصتي كنت انتظر أن يرفع الستار لتبدأ الأحداث، لكن الستار لا يرفع، وأنا هنا في الخلف لا أدري ماذا أفعل، أرقص؟ امسح الغبار الذي يعود فور مسحه إذ أن الاثاث هنا مصنوع منه. أم أتدرب على الأدوار التي لا أدري لماذا أقوم بها. هل أُغني؟ أم أهمس، هل أشاهد الحضور؟ وكيف أدري إن كان هناك أحد يقبل أن يُرى وهو قادم ليرى؟
أنزلق الآن إلى شعبي الهوائية متمنية أن اتنفس واخنق الأخرى التي هي أنا لكنها أكبر، وتتشاغل في أمر آخر بعيدا عن رفع ستار القصة التي لا يمكن أن تبدأ لأنها شارفت على الانتهاء!
الاثنين 1 فبراير 2021
اكتب هذه الرسالة ولا أعلم إن كانت ستصل أم لا. هذا الشعور بالانسكاب هو كل ما احتاج. ولست مهتما حقا إن كنت سأندم لاحقا على ما سأقول، أو سأكون أكثر حكمة وأتصاغر الشخص القديم الذي كنت!
في الواقع لم أشعر يوما أني حقيقي. كنت مُقلدا لمن حولي، أحلم مثلهم بالرحيل إلى مكان أبعد، مكان لا يشبه رفوف المحلات التي كنا نصطف فوقها حامدين شاكرين إذ لم نقبع في مستودع مظلم. نردد دائما أنه من حسن حظنا أننا لم نعرف يوما شكل الحياة في المخازن البعيدة كل البعد عن أنظار الرفاق الذين نحلم أن نذهب معهم إلى منازلهم. كانت تنتهي قصة كل فرد منا عندما يذهب، ولا ندري ماذا يحدث لهم بعد ذلك!
أنا اعرف ماذا حدث لي، لقد خلعني وحاول اللحاق بأحلامه من النافذة، فركضت خلفه لأمنعه، إنه يعيش في طابق مرتفع لا اذكر الرقم ولكنه يتكون من خانتين آحاد وعشرات هل كان ٣٤ أو ٤٣؟ كان مرتفع جدا، حين سقط لم اسمع صوت ارتطامه لذلك تمنيت أنه طار. حملت نفسي ولحقت به، رغبت أن نطير، لكن لم نستطع التحليق، فرافقته نحو الهبوط.
في نشرة أخبار اليوم التالي يقول المذيع:
عُثر على شخص سقط من ارتفاع شاهق، يبدو أنه تعثر بحبال الحذاء اثناء اصلاحه شرفه منزله، ماتزال التحقيقات جارية للتأكد من سبب الوفاة.
الجمعة 29 يناير 2021
اذكر ذلك جيدا، كانت السماء مزدحمة بالغيوم وقلبي أيضا ممتلئ بالكلام الذي لم أقل سوى القليل منه. يومها قلت: ألا ترى معي أن الشمس تأتي كل يوم، بينما الغيوم لا تفعل ذلك؟ وإن جاءت تحاول تغطية الضوء من أجل أن تنهمر؟ اذكر ذلك جيدا، يومها قلت متابعا حديثك إن القوارب الشراعية صديقة الرياح، بينما الموج الذي يلعق أقدامنا على الشاطئ صديق الجميع، وإن بدا لسانه يحاول ابتلاع كل الموجودين، لذلك يهدر متراجعا في آخر الأمر ولا تدري إن كان جائعا أم مُرحبا بنا. اذكر ذلك جيدا، أنك قلت: إن البحر مالح حتى لا يفسد، ثم سألت نفسك مستدركا ولماذا لا تفسد الأنهار الحلوة؟ ربما لأنها تجري طوال الوقت فلا تجد وقت تركد فيه فتفسد؟ مرّ وقت طويل، أذكر ذلك وتمنيت أن أرد عليك يومها أني أحب رفقتك الدائمة كالشمس، وانهمار كلماتك كالمطر، ومحاولتك لتغيير مسار الحديث عندما يكون الموقف صعبا ولا يمكن مواجهته، ثم تعود مجددا كموجة اختارت الوقت المناسب لتبتلع حزني وانقباضي.
الخميس 28 يناير 2021
مرحبا وصباح الخير اتمنى أن تكون الحياة على السطح هادئة ومستقرة ولا يزعج الآخرين سيرنا فوقها، حتى نتمكن من الغوص في عمقها بلا جهد ولا أسى ولا جلل، أن نختفي عكس حضورنا المُبهر، إن لا يُلاحظ أننا نخبو وننطفئ ولا نعود كما كنا في البدايات.
كيف الحال والأحوال؟ إجابة على سؤالي أنا بخير ولا أدري كيف حصلت على هذا الكم من الحب والعطف والأمان؟ وهل عليّ أن أكون مترقبا متوجسا من فقده أيّ ساعة أو لحظة؟
أفكر في الشوارع الخلفية من الحياة، خلف وجوه الناس، وما وراء صدورهم، أدير رأسي داخل رأسي فأرى مساحة فارغة تستطيع أن تتحدرج عينيّ وفكرتي الواحدة واستقامتي التي اكسرها إلى استقامات متعددة فاجعلها منحنية لترى عيني طرق أخرى غير التي تسير فوقها، لربما كان هناك شيء يثير الفضول، ويملأ الحياة بالحياة.
الحياة دبقة لكني لا التصق، اتسآل عن سبب الالتصاق عن معنى أن تضع أطرافك فلا تستطيع الفكاك وتظل عالقا لا يمكنك الطيران ولا الفرار ولا تجربة شيء آخر.
الأربعاء 27 يناير 2021
مرحبا مجددا، وهذه المرة على عجل، للحد الذي لا يمكن فيه المجاملة والسؤال عن حالك وكيف أن الحركة تضيق وتشتد حولك لأنك ستجيب سريعا ومعتادا حامدا وشاكرا أنك بخير، وأن الأمور مستقرة وهينة.
هذا الكلام وإن طواه النسيان أو اللا فهم أو التأويل الذي يطابق حال القارئ لا حالي! إلا أن حالي يهمني ولا يفهمني ما الذي يجب عليه الشعور به، أو كيف يسير، أو ماذا سيفعل بعد دقيقة من الآن.
إني في واقع الأمر عالق هنا في اللحظة. إنها تغمرني وتغرقني بسؤال: كيف كان الحال قبل عَشرة أعوام؟ وكيف سيكون الحال بعد عَشرة أخرى؟ وماذا عن العِشرة مع من حولي هل تكون عسرة؟ أم ستبقى حميمية وهادئة. تدور حول الغضب ولا تغضب، تجول حول الملامة ولا تفعل، تختار الرخاء وتفضل الهدوء على الصخب، تجز على أسنانك حين لا تستطيع القيام بالمهمة على أكمل وجه أو في وقتها المحدد، وأنت تدري أنك إن لم تقم بها سيقوم بها آخرون على أكمل وجه وبمجهود أقل مقارنة بما كنت ستفعل، إذ أنهم لسبب لم تتمكن من الحصول عليه يجيدون ما لا تجيد، وأنت تجيد أمور أخرى لكنها ليست لهم ولا لأي أحد في نطاق رؤيتك وفي حدود مد ذراعيك! إذ أنك وحيد في دقيقة ما قبل النوم، وممتلئ بالكون في أول دقيقة استيقاظ. وبقية اليوم تتدلى من حبل جيئة وإيابا لا تدري إن كانت الكثرة هي ما تريد أم أن الاكتفاء هو أفضل ما يمكن أن يحدث للانسان شرط أن لا يكون مجبرا، شرط أن لا يكون معتادا، وشرط أن لا يكون وحيدا لأنه لم يستطع أن يقول، لذلك حاول أن يكتب! لكنه لا يكتب وإنما يهمهم بلحن ولا أغنية يمكن أن يلصقها، ليكون مفهوم أمام نفسه.
الثلاثاء 26 يناير 2021
حين تنتهي القصة ولا يبقى بعد السطر الأخير سواك. تشعر برغبة مُلحة في ترتيب المكان لأن الترتيب هو مهارتك الوحيدة والمتبقية، حتى وإن لم يعد للمكان قيمة بعد فراغه من كل شيء. شعور يشبه انتهاء الفصول بعد أن قررت أن لا تكرر دورتها. وأن الخريف الذي عشته كان هو الأخير دون أن تدري، لذلك سرت فوق الورق الجاف واستمتعت بصوت فنائه، ولم تكن تدري أنه لن يعود. لست نادما ولست سعيدا إنك فقط متفاجئ! كيف لم تتمكن من اكتشاف ذلك قبل حدوثه أو حتى الشعور به؟
تعود لتركل السطر الأخير محتجا ومعترضا، لتجد نقطة النهاية تبتسم قائلة: لايوجد سواي الآن. نحن الآن أيها الرفيق صفر على الشمال مهما كتبت لن يكون هناك إيّ قيمة، عليك أن تستسلم فلا فاصلة ولا كسر يمكنه أن يكتب لك فصل جديد في قصة قديمة.
لا تقلق إنه مساء جديد وأنا بخير، لكني وقبل أن ينتهي اليوم أفكر بحال القصص القديمة المنتهية والتي لا يدري أصحابها أنها انتهت، يعيشونها كل مرة وكأنها لم تنتهي، وكأنها لا تنتهي. اخبرني هل أنت بخير؟ أي الفصول تعيش؟
الثلاثاء 5 يناير 2021
متى؟ ومع من؟ وإلى أين؟ ماذا حدث؟ من يعرف؟
الزمن والأشخاص قطبي المغناطيس المتنافرة والمتجاذبة يجمعها ويفرقها أفراد وجماعات والأوقات المتفرقة.
الاثنين 4 يناير 2021
أكثر دفء مُقارنة بالبارحة، أجدني مسرورا أيضا مقارنة بالأمس، وهذا جيد، ليس للكتابة وإنما الشعور ذاته. إنك لا تستطيع نقل المشاعر ونسخها بين الأيام. كل يوم يحمل شعور مختلف وإن تشابهت الظروف -يكفي تغير حالة الطقس- لتتبدل الأحوال.
هناك مستوى من الشعور لا يمكن الوصول إليه، أراه لكن لا استطيع تجربته وهذا غريب! أن ترى شيء لا تعرفه ولا تدري كيف يمكن أن يكون أفضل ما سيحدث لك أو الأسوأ؟ إن حدوثه للآخرين بدرجات متفاوتة لا يثبت حتمية حدوثه لنا! قول أحدهم “أنت ميت” لشخص يسير على قدميه ويهز كتفيه لمجرد أنه لا يتفاعل بالشكل المناسب كما تفعل المخلوقات الحية، إذ أنه يقيس المسافات ويحاول أن لا يُغضب ربه ووالديه ونفسه وجميع من يهتمون لأمره، إنه انسان وحيّ ويخشى أن يموت رغم أنه لم يصل إلى ذلك الشعور الذي يراه ولا يدري كيف يمكنه الحصول عليه، هي أشياء تأتي إليه لا يستطيع السير نحوها، كالهواء يدخل رئتيه ويزيد من اشتعال النار ويطفئ شمعة، مُختلفة ولا يدري إن كانت ستحييه أو تحرقه أم تطفئ العالم أمام ناظريه.
السعادة هي كل ما أملك هذه اللحظة ولا أدري كيف أوزعها بالتساوي ليحصل القادمين هنا على حصتهم حين يشاهدون هذه الأسطر ويرحلون. إني ممتن لقدومكم كل ليلة إذ أن الكلام هنا يتجدد دون أن أعلن ذلك لأحد، أجد أنه من الأيسر أن انشر الأسطر دون أن ابذل مجهود آخر يجعل الأعين تعيد التجربة. أحب أن اكتب، وأحب أن أكون سعيدا دائما كهذه اللحظة التي أعيشها الآن. خذ هذه سعادتي لهذه الليلة واترك هنا غضبك واستياءك من هذا العالم! ستحصل غدا على نصيب وافر من كل ما تتركه خلفك.
الأحد 3 يناير 2021
لدي الكثير من الكثير ولا اعرف طريقة مناسبة للتقليل منه أو تخزينه للاستفادة منه في حياة أخرى. الذين عاشوا قبلنا ماذا فعلوا بالكثير الذي لديهم؟ هل تركوه خلفهم؟ أين وضعوه؟ هل أترك مالدي أيضا مثلهم؟ وكيف آخذه معي؟
شيء كالرمل ينساب من بين يدي، لا أدري كيف أحافظ عليه، أدور حوله لعلّه يتبعني حين أسير لكنه لا يفعل، أجمع كفيّ معي راجيا أن يتبعني، أن يكون معي لا استطيع أن أبقى هنا ولا يمكن أن أرحل، أدير ظهري فقط، أجول ببصري لا قدمي أرجاء المكان، وهذا الكثير الذي أملكه لا يتحرك ولا يتزحزح! ماذا أفعل؟ أحب التساؤل لا البحث عن الإجابة. أحب الحيرة لا يمكن أن انتقل بسهولة إلى المعرفة والوضوح إذ انتقلت إلى هناك فهي النهاية حيث تذوب علامات التعجب والاستفهام، ولا يبقى هناك سوى النقاط في نهايات الجمل، والحقيقة التي ستشع وربما تذهب البصر ولا يبقى سوى البصيرة. وأنا الخائف المرتعد الذي كان يملأ صدره بفخر عن الكثير الذي طار في لحظة واحدة وبقيت ارتعد مبللا من سؤال واحد: “ماذا فعلت؟ وأين كنت حين كان الآخرين أنا؟”.
في أيام ليست كهذه الأيام، حين كان الهواء يملأ صدرك ويدفعك بعيدا عن السطح حيث لا كلمات تصلك بالأرض، تمسك النجوم بيديك لعلك حين تعود تضعها مع الكثير الذي لم تتمكن من حمله معك، والنجمة الوحيدة التي استطعت أن تمسكها ستكون حين تعود ليست ملك لك، إنها لعائلة أخرى لهم بابهم ونوافذهم التي لا تعنيك وليست كثيرك الذي ظننت أنك تملكه!
هذا العام طويل أليس كذلك؟ مرت ثلاثة أيام بشمسها وليلها وبردها وماتزال درجة الحرارة منخفضة هنا. لا استطيع التحرك بحرية إذ أني ارتدي كل ما أملك من أغطية وما أزال أشعر بالبرد الكثير الذي يتناقص أكثر ويجعلني حزين، هذا البرد يسرق من قلبي البهجة.
السبت 2 يناير 2021
كم خطوة عليّ سيرها لأصل إلى الجنة؟ هل أنا قريب منها؟ هل أسير بالاتجاه المعاكس؟
الجمعة 1 يناير 2021
ششش ماذا تسمع؟ للوهلة الأولى لا شيء أليس كذلك؟ مجددا اخبرني ماذا تسمع؟ اسمع صوت الثلاجة في المطبخ إنها تعمل طوال العام صيفا وشتاء دون أن تغفى بل إنها تستيقظ فور أن يُفتح بابها وكأنها لا تنام. اسمع صوت ضغط أصابعي على لوحة المفاتيح، وبعد أن توقفت عن الكتابة اسمع صوت باب الجيران إنهم يغلقونه بقوة في كل مرة، وكأنه يطردهم منه أو يمعنهم من الخروج مجددا! اسمع أيضا صوت أواني المطبخ أحدهم يصنع مشروب ساخن، إذ أني اسمع صوت بخار الماء يحاول الخروج من حرارة الإبريق واسمع صوت الملعقة تحرك السكر في الكوب أو ربما كان ملعقة من العسل؟ الأكيد أن الملعقة تدور لتذيب الموجود في الكوب. اسمع تقليب صفحات الكتاب الذي اكملت سنة كاملة وأنا أقرأ صفحاته على مهل إنه أكثر من جيّد ولا أريده أن ينتهي. اسمع صوت وصول رسالة على بريدي الالكتروني إنها تهنئة بالعام الجديد لا أشعر بأني المعنيّ في الرسالة رغم توسط اسمي في منتصفها وعنوانها أيضا، كيف يعرف الشخص أن الأشياء التي تصل إليه ليست له؟ عندما لا يستطيع التحدث عنها بصوت مرتفع، عندما يخجل من ذكرها سرا بينه وبين نفسه، هذه أصوات لا اسمعها فهل يسمعها غيري، هل تسمعها أنت؟ هل تسمع شيئا؟ أم أنك لا تملك أذن أو أنك تعيش في فراغ لا ينقل إليك صوت أيّ شيء؟
الخميس 31 ديسمبر 2020
أحب هذا الشعور، شعور الانصات لأحاديث الآخرين. اسئلتهم وإجاباتهم، أحب براءة الانسان فيهم. محاولتهم للانسجام وطريقتهم في إثارة غضب غيرهم من أجل الضحك أو حتى ملء فراغ اليوم. نقاشهم حول من بدأ الحكاية ومن حاول أن ينهيها.
تختلف لهجاتهم وألوانهم وأصواتهم لكنهم يشتركون في الحياة والتواصل وزيادة الأعداد حولهم أو اختيار كثافة حب المقربين فقط. البحث عن انظار المزيد أو شعور بالأهمية وإجابة على سؤال: كم عددهم؟ الذين شاهدوك أو تحدثوا معك. ومابين الخصوصية أو حتى الانتشار تظل فكرة المشاركة مُلحة وحاضرة.
أحب هذا الشعور، ظهوري متصلا في الشاشة دون أن أقوم بأي شيء سوى الانصات والتأمل فقط. لستُ مجبرا على رد فعل معين ولا التعليق ولا حتى هزّ رأسي موافقا أو معارضا إذ أني في الطرف الآخر من العالم ولا ينتظر مني شيء وهذا مريح.
أغلق الشاشة ويختفي العالم. وأعود من جديد مرة أخرى افتح الخريطة وأدور كالليل والنهار أمدد نقطة صغيرة في الخريطة أكثر فأكثر، إنها جزيرة تسبح في المحيط، هناك شخص لا مشاهدين لديه سواي، يعزف بلا انقطاع دون أن يرفع عينيه إلى الشاشة، يجلس أرضا في غرفة صغيرة وبابها مُغلق، يُعلق في ظهر الباب معطف ومظلة، وبجانب الباب علبة كرتونية تبدو وكأنها وجبة لشخص واحد؟ العديد من الكتب والمجلات المتراكمة فوق بعضها البعض بلا مكتبة وإنما تتكوم مكدسة على الأرض. وماذا بعد؟ إنه مايزال يعزف ولا يرفع بصره إلى الشاشة حيث عدد الزوار لديه واحد وهو أنا، لكني لا اكتب شيئا وإنما التهم المكان بنظرة متفحصة، يرفع رأسه أخيرا يخرج من جيبه ولاعة ليدخن، يتوقف عن العزف تمتلئ الغرفة بالدخان الأبيض يحملق في الشاشة يتكلم بلغة لا اعرفها يهزّ رأسه يعود للعزف، انظر لساعة حائط فوق بابه تبدو معطلة إذ أنها منذ بدأ العزف حتى اللحظة لم يتحرك عقرب الثوان ولا الدقائق.
الأربعاء 30 ديسمبر 2020
انتهى الأمر؟ أليس كذلك. أشعر بذلك ومتأكد منه، لكن لا أملك أيّ دليل يمكن رؤيته أو وصفه. إنه مجرد شعور قوي وكثيف. انتهى الأمر كما تنتهي الأيام والأعمار والأحلام. وأغلقت الصفحة التي بنهايتها انتهى الكتاب. وهذه ساعة مابعد النهاية إذ أنك لا تدري ماذا تفعل من جديد. أنت القديم الذي فقد القدرة على التجدد، وعلى البقاء وعلى السير وعلى التوقف وعلى الجلوس. انتهى الأمر ليدفعني أحدهم عن الطريق، ليمسك أحدهم يدي ويخبرني بلطف أن الطريق انتهى وليخبرني أيضا أني لستُ أول واحد ولا الأخير وأني مثل الكثير الذين لم اتمكن من لقاؤهم، الذين حانت نهايتهم وهم يعلقون أبصارهم في طرق غيرهم.
آه الآن فهمت جرس البداية الذي قُرع في أول الطريق كان لي أيضا، ومضات العابرين الذين كانوا يركضون ويتوقفون لالتقاط بعض الأحاديث التي كنت أملأ بها جيوبهم وعقولهم. والتي تتساقط منهم حين يكملون الركض في طرقاتهم التي أراقبها ولم أفكر أن لي طريق آخر، حتى حانت النهاية التي لا أدري لماذا لم استطع قبولها حتى اللحظة.
انتهى الأمر أليس كذلك؟ لكنك لم تستطع أن تخبرني بصوت مرتفع حتى لا توقظ الشخص الحالم فيّ. كما أن يديك قصيرة لا تستطيع الوصول إلى كتفي لتهزها فأنا بعيد عن هذا السطح. لم تستطع أيضا أن تودعني إذ أن النهاية ليست بالوداع وإنما بالانقطاع الذي لا تدري متى حدث إلا حين يكون أكيدا وبعيدا جدا لا يمكن العودة إليه، لا يمكن أن تبدأ من جديد.
انتهى العام ولا يمكن أن تعود السنين إلى الخلف، ولا يمكن أن تعود وحيدا هناك كل الذين بقوا تحولوا إلى رماد.
الثلاثاء 29 ديسمبر 2020
نلحق ضوء الشمس من النوافذ، نتكور ونتمدد حتى تحرقنا ولا يزعجنا ذلك. وحين تغيب نشعر بالحزن وبالفقد، نتلحف أغطية سميكة وثقيلة لكنها لا تشبه الشمس في أيّ شيء.
الاثنين 28 ديسمبر 2020
هذه الحياة ليست لي، اشعر أني أمسكها من أجل أحد ما، لا أدري ماهو ولا أدري إن كان سيأتي! هذه الحياة ليست لي، لا أشعر بأن أنا هو أنا، بل إني مؤقت وسأعود إلى مكان آخر في وقت قريب.
الأحد 27 ديسمبر 2020
أنا شخص ضخم وهذا يجعل كل من حولي صغار جدًا وبعيدين عن مستوى رؤيتي للأمور. أنا مثلهم في كل شيء إلا حجمي وهذا السبب كفيل بأن يجعلني بعيد. لا يمكن الانصات لهم، لا استطيع تبين ملامحهم، ولا مشاركتهم الفتات الذي يسمونه طعامًا.
وقع أقدامي يزلزل الأرض، شهيقي يغير من ترتيب المكان وأما الزفير فهو بعثرة لا يمكن اصلاحها، لذلك يمكنك تخيل ماذا سيحدث لو سعلت أو ضحكت!
أنا شخص ضخم ولا أدري كيف أني طوال الوقت انظر نحو الأسفل، اليوم فقط رفعت رأسي للأعلى فوجدت رأس ضخم يحملق فيّ، إنه عملاق وأبدو له صغيرًا جدًا رغم أني اشبهه في كل الأشياء إلا الحجم.
هذا ما يحدث تمامًا وأنت تقرأ، هناك شخص يروي قصة داخل القصة.
أنت العملاق وأنا الضخم والأحرف هم الصغار.
السبت 26 ديسمبر 2020
رغم أن هذه السطور تكتب الكترونيا إلا أن كل سطر اكتبه ثم اتراجع عنه اشعر بصوت تمزيق ورقة داخلي. وعند مسح سطر آخر أسمع صوت كرمشة الورقة على شكل كرة، والسطر الأخير المحذوف الذي أقفل بعده شاشة الجهاز مستسلما فكل الأفكار لم تعد تطيق الرحيل بعيدا عني. اسمع صوت قلم يتدحرج محاولا السقوط ولا يجد هاوية ليسقط منها فيستمر بالدوران حتى يغلبني النعاس فينتهي اليوم الثالث بلا كتابة.
الجمعة 25 ديسمبر 2020
استيقظت باكرا ومازلت أحمل معي كسل الأمس.
الخميس 24 ديسمبر 2020
مُصاب بعثرة الكتابة، وعثرة القراءة، وعثرة الانجاز بكل أشكاله.
الأربعاء 23 ديسمبر 2020
لستُ في مزاج الكتابة، لم أجد وقت حقيقي لأنعم برفاهية التفكير وتأمل معضلات العالم، إذ لم أنم سوى ساعات قليلة وهذا ليس من شيمي ولا عادتي، أرى الكون حولي عبارة عن وسائد من غيم، اشتاق أن أدس رأسي بين طبقاتها وأنام.
الثلاثاء 22 ديسمبر 2020
هل ستعود؟ قطع الزجاج المتشظية إلى حالتها الأولى؟ هل يمكن ترميم ورق مُحترق؟ أو هل يمكن أن تختفي الورقة ويجد الكلام الذي كتب فوقها طريقه للنجاة؟ أن يقفز في الهواء ويلتصق بأي سطح يشبه الورقة كذاكرة شخص ما؟ بل ما شعور الحرف الواحد الذي يجد نفسه مختلف في كل كلمة مثّل جزء من تكوينها؟ أهو هذه الكلمة؟ أم هي سيرته الذاتية التي تبدأ في جملة وتنتهي في أخرى. وهو يعلم أنه لم يكن ذا معنى لو اكتفى بترتيبه في الأبجدية دون أن يتحرك بين أقرانه، أن يزورهم وهو يعلم أنهم مثله يختلفون ويتشكلون بسبب اقترابهم لا ابتعادهم. إن الحرف الأبجدي الواحد يعيش في قواميس الكلمات مئات وآلاف المرات، يرتدي معنى مختلف ويزهو بنفسه مرة ويشعر بالملل مرة وبالحزن والحيرة مرات ومرات.
خذ مثلا حرف الياء، عاش في النداء ملك حين يصرخ الناس بكل لهفة أو غاضبون منادين يا أيها.. ، وعاش في الحاضر ومايزال يفعل ذلك بكل زهو وافتخار: يركض، يضحك، يلهو، ينام. وهو الحرف الثاني من اسم ايمان، كما أنه يتمدد كقط في كسل وخمول في أهم الأعمال التي يحاول البشر فيها نشر الحق والعدالة كالقاضي والجندي والشرطي والمحامي.
هل ستعود الأحرف وتصطف بجانب بعضها البعض بترتيبها الذي بلا معنى، وهي تعلم أنها صنعت علما ومعرفة ورسائل وشعر وتاريخ وأدب وأحاديث مسموعة ومكتوبة والكثير منها لم يسمع ولم يرى، تلك الكلمات المتشظية في الصدور هل تجد طريقها إلى الابجدية التي بلا معنى ودون أن يدري أحد أنها عاشت وعادت سيرتها الأولى؟
الاثنين 21 ديسمبر 2020
استعد للرحلة حقيبتي ممتلئة بأغراض أظنها ضرورية. هل سأحمل ذات الأشياء إن كنت سأسافر بلا عودة؟ الذين يغادرون للأبد ماذا يضعون في حقائبهم؟ وماذا يتركون خلفهم؟ الذين غادروا وهم يظنون أنهم سيعودون لكنهم لم يعودوا ماذا فقدوا؟ ماذا نحمل معنا في المسافات القصيرة؟ وماذا نريد أن نحمل إلى نهاية الطريق؟ ما الذي نحمله دون ندري لماذا نفعل ذلك؟ ثقيل وبلا فائدة بل إنك حين تحمله تحرص أن لا يراه أحد، لأنك لا تجد تبريرا واضحا لما تفعله، وأنك لا تدري هي الإجابة الفعلية، لكنك لا تريد أن تندم لأنك تركته خلفك ظننت أنك ربما ستحتاجه؟ لكنها ستظل ربما متضاعفه للحد الذي يجعلك تندم على الوقت الذي أمضيته بحمله. لذلك تعوض العمر الطويل بمزيد من التحمّل الذي ستشكر نفسك أنك تحملت قليلا لأنك ربما ولكنها ظلت ربما.
لم أغلق الحقيبة انظر إلى كتاب مصور حملته معي، ماذا لو كانت هذه هي رحلتي الأخيرة التي لن أعود بعدها مجددا، هل كان علي اختيار كتاب آخر بلا صور؟
الأحد 20 ديسمبر 2020
يمكنني وصف نفسي بجملة من كلمتين: “مُستعد دائما”. اخبرني فقط عن الوجهة وستجدني أهرول إلى ما بعدها. في كل مرة أصل أجد في الانتظار حِمل ما، لا استطيع التخفف منه ولا أدري ماهو على وجه التحديد! إنه ثقيل ولا يمكن رؤيته.
إني حائر ولا أدري كيف أقطع هذه الحيرة. لا أدري كيف أقبلها واتركها تدور حولي حتى تملّ أو اعتادها. حتى أصل إلى حقيقة شخصية أن الخلق يعيشون مع حيرتهم وكأنهم حملها وليست هي حملهم.
يمكنني وصف نفسي بكلمة واحدة: “مُستعد”. لتصل إلى مرحلة تتردد في قول أيّ أمر لي، لأنك لا تدري إن كنت أرغبه، أم أنه سيبدو وكأنه أمنيتك وعليّ تحقيقها. حتى وإن كانت معروفا فكرت أن تقدمه لي! سيكون معروفك هو الخدمة التي حصلت حتى قبل أن تكمل حديثك.
أشعر بلا شيء، الطقس بارد ولا يسمح لي إلا بفكرة واحدة، متى تشرق الشمس؟ متى يعود الصيف؟
السبت 19 ديسمبر 2020
ماذا تريد في هذه اللحظة؟ لا شيء. ماذا تريد في الغد؟ أيضا لا شيء. هذا الاكتفاء هو كل ما أريد، الامتنان للموجود الذي اعتدته، تدفق الأفكار بلا توقف ثم العودة مجددا لذات الفكرة دون أن تبدو غريبة، إنها انعكاسي في كل الاسطح.
كيف تبدو محاكمات السماء؟ بل كيف تبدو محاكمات الأرض؟ ماشعور الأشخاص هناك؟ ما وزن الحيرة التي تطفو في هواء المكان؟ ماعدد الأوراق والخطوات هناك؟ المواعيد التي تمتد، والانتظار الذي ينتهي بانتظار آخر. والحكم النهائي الذي يأتي متأخرا لكنه يأتي. ما أكبر الحوادث هناك؟ وما أشدها تعقيدا ولا يمكن فهمها؟ أيكون القتل والدين -اقتراض المال- على القائمة؟ أم خصومات الورثة والأموال المأكولة هي الأكثر؟ أم أن ورثة الورثة الذين تكاسلوا في اتخاذ قرارهم والحسم في شبر أرض يملكها الجميع ولا يمكن اقتسامها لأن أحد الكبار الذي مات غاضبا قبل عشر سنين لم يكن ليرضى أن تكون الأرض ملك للآخرين، لأنه حرثها وحيدا وحصدها وحيدا، فكيف يشاركه من لا يعرف شكلا للبذور؟
أهو مكان عادي بالنسبة للحارس والقاضي؟ لكثرة ما تتكرر حكايات الناس هناك؟ لذلك يجدون الحل ببساطة لكل قصة، بل إن المفاجأة والدموع التي تتكرر لم تعد تجد طريقها إلى افئدتهم، كما حدث في سنوات تدريبهم الأولى؟
الجمعة 18 ديسمبر 2020
يشعر أنه مُستهدف وأن الشرور تحدث له وحده، وأن الآخرين في نعيم ويحصلون على كمية قليلة من البؤس مقارنة بما يحدث له. يصمت ليلتقط أنفاسه أو ربما ينتظر ردة فعل عليّ اتخاذها، أجيب بأن الحياة وإن طالت ستنتهي بخيرها وشرها، إن اجبرت على الاختيار فاختر أن تكون الخير في كل المرات ما استطعت. يكمل بأنه المصفوع والذي يهوي للقاع منذ أن ولد حتى هذه اللحظة وهو يسامح ولا ينسى، وهو رائع وسيظل كذلك. أفكر دون أن أقول، أهو حزين وسعيد بذلك؟ أم يشعر بالتميز ولم يجد من يؤكد له ذلك؟ وكيف لي أن اعرف حقيقة ما يتحدث عنه؟ الجانب الذي يراه ولا يمكن أن افهمه.
على الجانب الآخر يمد لي أحدهم كلتا يديه يعرض عليّ بكل كرم أن يرفعني لمستوى أعلى. فأنا في مكان منخفض قليلا ويمكن أن أُدفن بحفنة قليلة من التراب، أو أغرق في قطرة ماء. شعرت بالحرج فوضعت يدي في جيبي قائلا: لستُ بحاجة لذلك، إنّ في الحفرة باب يمكن الخروج منه في أيّ وقت، لكن أرغب الآن في أن أكون هنا، هل أنا خُلد؟ يعيش بنظر ضئيل ويدفن أنفه في تربه رطبة؟
الأشخاص الذين تحدثت معهم اليوم، لا اعرف شكل بؤسهم أو سعادتهم ولا حتى سكونهم أو صخبهم. إنهم يتفاعلون مع المحيط بالقدر الذي تسمح به القوانين الفيزيائية والمزاجية، لا يمكنهم الطيران شبر فوق الأرض إلا باستخدام طائرة، لا يمكنهم رفع إنسان من بؤسه إن لم يمد يديه.
يخبرني أني انظر للأمور بطريقة مختلفة! مختلفة لا تشبه مايراه رغم أننا نشاهد الشيء نفسه، يتعجب! ينفض رأسه كطير ابتل بقطرة ماء، لاتعجبه القطرة، يقول مبتسما أنت تدقق كثيرا وهذا ليس أنا، بل إني أفكر الآن كيف ترى الحياة؟ تضع أمام عينيك مجهر وهذه ليست نظرة واقعية.
الخميس 17 ديسمبر 2020:
ماذا سيحصل بعد قليل؟ ماذا يوجد خلف الباب؟ ماذا يوجد في العام القادم؟ ماذا حدث في الماضي؟ هل ساعرف وجوه الأجداد الذين رحلوا؟ ماذا سيقولون؟ ما هي اهتماماتهم؟ كيف يمضي ليلهم قبل الكهرباء؟ ماذا كانوا يفعلون قبل أن يكون لديهم مزرعة؟ هل فكروا بمن سيأتي بعدهم؟ أم أن المستقبل البعيد لا يعني لهم شيء لأنهم لن يكونوا هناك! إني في هذه الساعة لا أفكر بالقادمين من المستقبل، إذ لا وجود لهم بعد، ولا طريق للوصول إليهم! بينما الماضي لأنه حدث يمكن الوصول إليه، وإن كان مجرد حدث تاريخي هامشي، في أحداث التاريخ العظيمة، كانوا يعيشون ويسمعون بعض الأخبار وإن كانت لا تصلهم بشكل سريع كما يحدث الآن.
هل تكررت أشكالنا؟ أنت حين وصلت إلى هنا لتقرأ هذا السطر قادم من المستقبل أليس كذلك؟ وأنا انظر نحو الخلف لم اتمكن من رؤيتك ولا يمكن أن أخمن أنك قادم.
هنا تصل لنهاية الماضي، وتبدأ مستقبل آخر في صفحة أخرى.